بسم اللة الرحمن الرحيم
سفره إلى الشام وبحيرا الراهب :
وأراد أبو طالب أن يخرج بتجارة إلى الشام في عير قريش ، وكان عمره صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة سنة وقيل وشهرين وعشرة أيام فاستعظم رسول الله صلى الله عليه وسلم فراقه فرق عليه وأخذه معه ، فلما نزل الركب قريباً من مدينة بصرى على مشارف الشام خرج إليهم أحد كبار رهبان النصارى – وهو بحيرا الراهب – فتخلل في الركب حتى وصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بيده وقال : ( هذا سيد العالمين ، هذا رسول رب العالمين ، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين ) .
قالوا وما علمك بذلك ؟
قال : ( إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا خر ساجداًولا يسجدان إلا لنبي ، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة ، وإنا نجده في كتبنا ) .
ثم أكرمهم بالضيافة ، وسأل أبا طالب أن يرده ولايقدم به يقدم به إلى الشام خوفا من اليهود والرومان ، فرده أبو طالب إلى مكة .
حرب الفجار:
وحين كان عمره صلى الله عليه وسلم عشرين سنة ، وقعت في سوق عكاظ حرب بين قبائل قريش وكنانة من جهة ، وبين قبائل قيس عيلان من جهة أخرى . اشتد فيها البأس ، وقتل عدد من الفريقين، ثم اصطلحوا على أن يحصوا قتلى الفريقين فمن وجد قتلاه أكثر أخذ دية الزائد ، ووضعوا الحرب ، وهدموا ما وقع بينهم من العداوة والشر .
وقد حضر هذه الحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ينبل على أعمامه ، أي يجهز لهم النبل للرمي .
وسميت هذه الحرب بحرب الفجار لأنهم انتهكوا فيها حرمة مكة والشهر الحرام ، والفجار أربعة : كل في سنة ، وهذه آخرها ، وانتهت الثلاثة الأولى بعد خصام واشتجار طفيف ، ولم يقع القتال إلا في الرابع فقط .
حلف الفضول :
وفي شهر ذي القعدة على إثر هذه الحرب تم حلف الفضول بين خمسة بطون من قبيلة قريش وهم : بنو هاشم ، وبنو المطلب ، وبنو أسد ، وبنو زهرة ، وبنو تيم . وسببه أن رجلاً من زبيد جاء بسلعة إلى مكة ، فاشتراها منه العاص بن وائل السهمي ، وحبس عنه حقه ، فاستعدى عليه ببني عبد الدار ، وبني مخزوم ، وبني جمح ، وبني سهم ، وبني عدي ، فلم يكترثوا له ، فعلا جبل أبي قبيس ، وذكر ظلامته في أبيات ، ونادى من يعينه على حقه ، فمشى في ذلك الزبير بن عبد المطلب حتى اجتمع الذين مضى ذكرهم في دار عبد الله بن جدعان رئيس بني تيم ، وتحالفوا وتعاقدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها أو من غيرهم إلا قاموا معه حتى ترد عليه مظلمته ، ثم قاموا إلى العاص بن وائل السهمي ، فانتزعوا منه حق الزبيدي ، ودفعوه إليه . وقد حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحلف مع أعمامه ، وقال بعد أن شرفه الله بالرسالة : ( لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم ، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت ) .