بسم اللة الرحمن الرحيم.
عطف الرسول (صلى الله عليه وآله) على الحيوانات
وكان عطفه حتى على الحيوان، فقد ورد في حديث: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وضع الإناء حتى يتوضأ، إذ لاذ به هر في البيت، فعرف النبي أنه عطشان فأدنى إليه الإناء حتى شرب منه الهر، ثم توضأ (صلى الله عليه وآله) بما فضل.
وقال (صلى الله عليه وآله): (إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور)(26).
وذات مرة، كان يأكل التمر ويضع النواة في كفه اليسرى، فمرت من هناك عنزة فأشار إليها بأن تتقدم فتقدمت وأخذت تأكل من يد رسول الله (صلى الله عليه وآله) النوى.
ودخل ذات مرة بيتاً فرأى ديكاً ولا دجاجة له، فقال لصاحب البيت: (هلا اتخذت له أهلاً) .
الرسول (صلى الله عليه وآله) لا يزعج الهرة
وكان (صلى الله عليه وآله) ذات مرة جالساً أو نائماً، فجاءت هرة ونامت على كمه، فلما قام لم يرد إزعاج الهرة فقطع القطعة من كمه التي كانت الهرة قد نامت عليها.
وقد وَفَد وفدُ للنجاشي إلى النبي في المدينة، فقام النبي يخدمهم بنفسه فقال له أصحابه: نحن نكفيك يا رسول الله؟ فقال (صلى الله عليه وآله): (إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين إني أحب أن أكافئهم) .
الرسول (صلى الله عليه وآله) يكرم أباه وأمه وأخته من الرضاعة
ولما جاءت إليه أخته من الرضاعة (واسمها شيماء)، بسط لها رداءه وأجلسها عليه، وقال لها: إن أحببت أقمتِ عندي مكرمة محببة أو زودتك ورجعت إلى قومك! فاختارت قومها فأعطاها شيئاً من المال، فرجعت مسرورة.
وذات مرة كان (صلى الله عليه وآله) جالساً إذ أقبلت امرأة حتى دنت منه، فقام لها وبسط لها رداءه، فجلست عليه، فسأل بعض الصحابة ـ من بعضهم ـ من هذه؟ فقالوا: إنها أمه التي أرضعته(27).
وروي أنه كان جالساً يوماً فأقبل أبوه من الرضاعة، فوضع له بعض ردائه فقعد عليه، ثم أقبلت أمه من الرضاعة فوضع (صلى الله عليه وآله) بعض ردائه الآخر من الجانب الثاني لها فجلست عليه، ثم أقبل أخوه من الرضاعة، فقام رسول الله فأجلسه بين يديه.
الرسول (صلى الله عليه وآله) يصل مرضعته
وكان (صلى الله عليه وآله) من بره ووفائه يبعث إلى ثويبة مولاة أبي لهب (مرضعته) بصلة وكسوة، وحتى أنها لما ماتت سأل: من بقي من قرابتها؟ وكان يريد أن يوصلها فقيل له: لا أحد من قرابتها.
كما أنه (صلى الله عليه وآله) كان يذكر خديجة بعد وفاتها، وكان يذبح الشاه فيهديها إلى أخلاّئها وفاءاً لها، وقد قالت خديجة له (صلى الله عليه وآله) ذات يوم: أبشر يا رسول الله، فوالله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم، وتكسي المعدم، وتقري الضيف، وتعين على النوائب.
وكان (صلى الله عليه وآله) لا يحب تكليف أحد، فلم يكن يريد أن يقوم له أصحابه إذا ورد المجلس.
مجلس الرسول (صلى الله عليه وآله)
كما أنه كان إذا دخل منزلاً قعد في أدنى المجلس، وكان يجلس على الأرض، ويأكل على الأرض، ويقول: إنما أنا عبد أأكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد.
وذات مرة قالت له امرأة بذّية، وهو يأكل جالساً على الحضيض: يا محمد والله أنك لتأكل أكل العبد، وتجلس جلوسه، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): أي عبد أعبد مني!(28).
تواضع الرسول (صلى الله عليه وآله)
وقد قال الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام في وصف الرسول (صلى الله عليه وآله)، كان يحب الركوب على الحمار موكفاً، والأكل على الحضيض مع العبيد ومناولة السائل بيديه، وكان يركب الحمار، ويردف خلفه عبده أو غيره، ويركب ما أمكنه من فرس، أو بغلة، أو حمار بدون تكلف(29).
وكان يوم بني قريضة على حمار موكف بحبل من ليف عليه أكاف من ليف.
الفضل بن العباس مع الرسول (صلى الله عليه وآله)
وفي حديث عن الباقر (عليه السلام) قال: خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) يريد حاجة، فإذا بالفضل بن العباس، قال: فقال: احملوا هذا الغلام خلفي، ثم اعتنق رسول الله الغلام بيده من خلفه، ثم قال: يا غلام خف الله تجده أمامك، يا غلام خف الله يكفك ما سواه.
الرسول (صلى الله عليه وآله) يخدم بنفسه في داره
وكان إذا جاء إلى بيته اشتغل في البيت، فكان في مهنة أهله يقطع اللحم ويجلس على الطعام محقراً، وكان يلطع أصابعه ولم يتجشأ قط، يحلب شاته، ويرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويخدم نفسه، ويعلف البعير ويعقله، ويعلف ناضحه، ويضع طهوره بالليل بيده، ويجالس الفقراء، ويؤاكل المساكين ويناولهم بيده، قد كان يقضي بالحق، ويحكم بالفصل، فيحبه أعداؤه وأصدقـــاؤه، وكان أميناً وفياً صادقاً، حتى كان يسميه قومه قبل نبوته الأمين.
الرسول (صلى الله عليه وآله) والأمانة
وروي أنه (صلى الله عليه وآله) لما أراد الهجرة خلّف علياً (عليه السلام) لقضاء ديونه، ورد الودائع التي كانت عنده، ولم يقل إنه يهرب من شرهم لأنهم يريدون قتله، فمالهم حلال، لأنهم كفار محاربون.
كان (صلى الله عليه وآله) بعيد المدى
وكان (صلى الله عليه وآله) بعيد المدى، ولما اختلفت قريش عند بناء الكعبة فيمن يضع الحجر حكموا بأن أول من يضعه الداخل عليهم، فإذا النبي (صلى الله عليه وآله) يدخل وكان ذلك قبل نبوته، فقالوا: هذا محمد الأمين قد رضينا به حكماً.
أعداء الرسول (صلى الله عليه وآله) يعترفون بفضله
ولم تزل قريش نفسها تعترف له بالصدق والأمانة وكل فضيلة، حتى أن الأخنس لقي أبا جهل يوم بدر فقال له: يا أبا الحكم ليس هنا غيري وغيرك يسمع كلامنا، تخبرني عن محمد (صلى الله عليه وآله) صادق أم كاذب؟ فقال أبو جهل: والله إن محمداً لصادق، وما كذب محمد قط.
وسأل هرقل عنه أبا سفيان، فقال: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال: لا.
الرسول (صلى الله عليه وآله) يرعى الغنم
ومن وفائه، أن عمار (رضوان الله عليه) قال: كنت أرعى غنمي قبل الإسلام وكان محمد (صلى الله عليه وآله) يرعى أيضاً، فقلت: يا محمد هل لك في فخ فإني تركتها برق؟ قال: نعم فجئتها من الغد، وقد سبقني محمد (صلى الله عليه وآله) وهو قائم يذود غنمه عن الروضة قال: إني كنت واعدتك فكرهت أن أرعى قبلك(30).
الرسول (صلى الله عليه وآله) لين العريكة
وكان (صلى الله عليه وآله) لين العريكة يتحرى أفضل السبل للوصول إلى الصلح والهدف والسلام.
وفي قصة الحديبية دعا رسول الله علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال له: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فقال رسول قريش، وهو سهيل: أما الرحمان فوالله ما أدري ما هو، ولكن اكتب (بسمك اللهم)، فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم، فقال النبي لعلي عليه الصلاة والسلام: اكتب بسمك اللهم، ثم قال لعلي اكتب: هذا ما قضى عليه محمد رسول الله، فقال سهيل: لو كنا نعلم انك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): إني لرسول الله وإن كذبتموني، ثم أخذ الرسول بنفسه الكتاب ومحا كلمة رسول الله، ثم كتب علي عليه الصلاة والسلام محمد بن عبد الله مكانه(31).
إلى غير هذا كثــير مما يدل على شعبيته الواسعة، وأخلاقه الكبيرة، وتواضعه ووفائه وحكومته الرشيدة التي لم يعرف التاريخ قبله مثلها ولا بعده إلا في زمان علي عليه الصلاة والسلام، مما يجب أن يتخذها الحكام أسوة، إذا كانوا يريدون الله والدار الآخرة.
لزوم التأسي بالنبي (صلى الله عليه وآله)
وقد قال علي عليه الصلاة والسلام: (فليتأس متأس بنبيه، وإلا فلا يأمننّ الهلكة)(32). نسأل الله أن يوفقنا لحركة إسلامية عالمية، تنتهي إلى حكومة ألف مليون مسلم، بفضل الاقتداء بسيرة الرسول صلى الله عليه وآله.
[/color]الصبي يبول في حجر الرسول (صلى الله عليه وآله) فلا يغضب
وكان (صلى الله عليه وآله) يؤتى إليه بالصبي الصغير فيدعو له بالبركة، أو يسمّيه، أو يأذن في أذنه، فيأخذه ويضعه في حجره تكرمةً لأهله، وربما بال الصبي عليه فيصيح على الصبي بعض من كان حاضراً. فيقول (صلى الله عليه وآله): لا تزرموا بالصبي فيدعه حتى يقضي بوله، ثم يفرغ له من دعائه أو تسميته أو أذانه، فيبلغ بذلك سرور أهله إلى ما شاء الله، حيث يرون أنه لا يتأذى ببول صبيهم، فإذا انصرفوا غسل ثوبه(19).
وكان إذا جلس إليه أحد تزحزح له شيئاً، وذات مرة قال له رجل: يا رسول الله في المكان سعة، فقال: نعم، لكن إن من حق المسلم على المسلم إذا رآه يريد الجلوس أن يتزحزح له.
النبي (صلى الله عليه وآله) يجلب رضا الناس
وكان لا يترك أحداً حتى يرضيه، وإذا غضب عليه إنسان ثم رضي عنه كان يطلب منه: أن يعلن لأصحابه أنه رضي عنه.
وقد ورد: أن أعرابياً جاءه يطلب منه شيئاً، فأعطاه ثم قال له: أحسنت إليك؟ قال الأعرابي: لا ولا أجملت، فغضب المسلمون وقاموا إليه، فأشار إليهم (صلى الله عليه وآله) أن كفّوا، ثم قام ودخل منزله، وأرسل إليه وزاده شيئاً ثم قال (صلى الله عليه وآله): أحسنت إليك؟ قال الأعرابي: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً.
فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): إنك قلت ما قلت، وفي نفس أصحابي من ذلك شيء فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي حتى يذهب ما في صدورهم عليك؟ قال: نعم.
فلما كان الغداة أو العشيّ جاء فقال (صلى الله عليه وآله): إن هذا الأعرابي قال ما قال فزدناه، إنه رضي أليس كذلك؟ قال الأعرابي: نعم، جزاك الله من أهل وعشيرة خيراً.
ثم قال (صلى الله عليه وآله) لأصحابه: (ان مثلي ومثل هذا الاعرابي كمثل رجل كانت له ناقة فشردت عليه فاتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفوراً. فقال صاحب الناقة: خلوا بيني وبين ناقتي فأنا أرفق بها وأعلم بها فتوجه إليها صاحب الناقة فأخذ لها من قُمام الأرض ودعاها حتى جاءت واستجابت وشد عليها رحلها واستوى عليها ولو أني أطعتكم حيث قال دخل النار)(20).
الرسول (صلى الله عليه وآله) يأمر الناس بالإحسان
وكان (صلى الله عليه وآله) إذا أساء أحد الأدب رده رداً جميلاً، وقد روي عن العلاء بن الحضرمي، أنه قال للنبي (صلى الله عليه وآله): إن لي أهل بيت أحسن إليهم فيسيئون وأصِلهم فيقطعون؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)(21) فقال العلاء: إني قلت شعراً هو أحسن من هذا، قال (صلى الله عليه وآله) وما قلت؟ فأنشده شعره... فقال النبي (صلى الله عليه وآله): (إن من الشعر لحكمة، وإن من البيان لسحراً، وإن شعرك لحسن، وإن كتاب الله أحسن)(22).
النبي (صلى الله عليه وآله) يجعل من العدو صديقاً
وفي رواية أن أعرابياً من بني سليم جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما وقف بإزائه ناداه: يا محمد يا محمد، أنت الساحر الكذاب الذي ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة هو أكذب منك، إنك الذي تزعم أن لك في هذه الخضراء إلهاً بعث بك إلى الأسود والأبيض، واللات والعزّى لولا إني أخاف أن قومي يسمونني العجول لضربتك بسيفي هذا ضربة أقتلك بها فأسود بك الأولين والآخرين، فوثب إليه أحد الصحابة ليبطش به، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): إجلس فقد كاد الحليم أن يكون نبياً، ثم التفت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى الأعرابي، فقال له: يا أخا بني سليم هكذا تفعل العرب؟ يتهجمون علينا في مجالسنا يجابهوننا بالكلام الغليظ؟ يا أعرابي والذي بعثني بالحق نبياً إن من ضرَّ بي في دار الدنيا هو غداً في النار يتلظى(23).
وفي الخبر أنه أسلم الرجل وصار داعياً إلى الإسلام في قبيلته فكثر فيهم المسلمون حتى وصلوا إلى خمسمائة إنسان، فكان ذلك ببركة أخلاق رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحلمه وعفوه وصفحه.
الرسول (صلى الله عليه وآله) لا يستمع إلى الوشاة
وكان (صلى الله عليه وآله) يكره أن يقال عن إنسان سوءاً، وكان (صلى الله عليه وآله) يقول: (لا يبلغني أحد منكم عن أحد أصحابي شيئاً، فإني أحب أن أخرج إليكم سليم الصدر)(24).
وقد روت بعض نسائه قالت: دخل يهودي على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: السام عليك، ثم دخل يهودي آخر وقال مثل ذلك (السام بمعنى الموت) فغضبت الزوجة وقالت: عليكم السام، والغضب واللعنة يا معشر اليهود، يا أخوة القردة والخنازير. فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): (يا فلانة إن الفحش لو كان مثالاً لكان مثال سوء، إن الرفق لم يوضع على شيء قط إلا زانه، ولم يرفع عن شيء إلا شانه)(25).[/size]