إنه لا قيام للإسلام في البلاد الإسلامية، قبل تحرير فلسطين تحريراً كاملاً من أيدي اليهود، وسيأتي يوم قريب تتحرر فيه فلسطين كل فلسطين، وذلك اليوم يكون عند تواجد الوعي عند المسلمين، فإنه من المستحيل أن يبقى اليهود على ما هم عليه الآن، أمام ألف مليون مسلم واع، مهما تسلح اليهود بالعلم والتكنولوجيا و..
لقد كان هم الغرب الصليبي، منذ أن انسحبوا في الحروب الصليبية، أن يعودوا إلى فلسطين، لا لأنها مقدمة عندهم فحسب، بل ولتحطيم شوكة المسلمين أيضاً، وهذه الفكرة كانت من أسباب تقدم الغرب صناعياً ونظامياً و.. فإن الحاجة أم الاختراع، وحين ازداد ضعف المسلمين، وزادت قوة الغرب فكروا في تحطيم المسلمين وفي استعمار بلادهم، وجعل دولتين يهودية ومسيحية في قلب البلاد الإسلامية، وهذا المنطلق هو الذي انتهى إلى (يهودية فلسطين) و (مسيحية لبنان).
فحين ازداد ضعف العثمانيين، طلب اليهود من (عبد الحميد الثاني) أن يسمح لهم باستعمار بعض أراضي فلسطين، وقبل الخليفة وأخذ اليهود يهاجرون إلى فلسطين، ويشترون الأراضي، وكان دواؤهم المنظمة الصهيونية، إلى جانب الحكومات والتشكيلات الصليبية، وقد كان قبل إجازة الخليفة، عدد اليهود في فلسطين خمسين ألف فقط، وفي مؤتمر بال صار قرارهم أن يتخذوا فلسطين وطناً لهم، كما ان (هرتزل) و (قرصوا) وغيرهما من كتاب اليهود ومنكريهم وأثريائهم، قرروا مناصرة القضية اليهودية، بالمال والسلاح والرجال والدعاية.
وحين وضعت الحرب العالمية أوزارها، وجدت اليهود ثالث مبرراتها، لاحتلال فلسطين :
(1) مبرر الدين، حيث يزعمون أن وصايا دينهم أن فلسطين بلدهم .
(2) ومبرر التشرد الذي سبب بعثرتهم في العالم عشرات القرون .
(3) ومبرر اضطهاد هتلر لهم، فقد قتل منهم مائتي ألف، على أصح الروايات، أما أنه قتل منهم (ستة ملايين) كما يشيعون هم، فليس إلا خداعاً وكذباً، وفي بعض الروايات أن الصهيونية كانت دواء هتلر في هذا الاضطهاد، ليجدوا مبرراً لهم عند العالم في احتلال فلسطين.. وكيف كان الأمر، فقد كانت قوة بريطانيا وسيطرتها على فلسطين، بضميمة وعد بلفور، وسقوط الدولة العثمانية منذ زمان مما سبب تفكك المسلمين أكثر فأكثر، تعطي الوقت المناسب للصهيونية، في تركيز حكومتها، وهكذا كان...
أما الحكومات العربية التي دخلت الحرب مع إسرائيل، في عام (48) م فلم يكن رؤساؤها إلا جواسيس لنفس البريطانيين، فملك مصر كان يسيره البريطانيون، وملك الحجاز كان مسيراً لـ(فيليب) وملك الأردن كان مسيراً لـ(كَلوب) و(نوري السعيد) كان بريطانياً أكثر من بريطانيا، وهكذا..، فلم تكن الحرب صادقة وإنما كانت صورية لإسكات الجماهير الإسلامية.. ثم إن الحكومات الانقلابية ـ التي جاءت انتقاماً من الملوك والرؤساء الذين خانوا قضية فلسطين ـ لم تكن إلا جواسيس للغرب مع فارق أن الحكومات عند سقوط فلسطين كانت عملاء لبريطانيا، بينما حكومات الانقلابات، كانت موزعة بين جواسيس بريطانيا، وجواسيس أمريكا فـ(عبد الكريم قاسم) الذي قاد انقلاب (14) تموز كان عميلاً لبريطانيا بينما كان (عبد الناصر) الذي جاء إلى الحكم في مصر كان عميلاً لأمريكا أما ملك الأردن، وملك السعودية، و.. فكانوا عملاء منذ (48) وهكذا انتقلت العمالة من ملك إلى آخر.
أما المنظمات التي جاءت لإنقاذ فلسطيــن، فالعميلة منها، وهي أكثر المنظمات، إنما تكرّر نفس مأساة الملوك والرؤساء وغير العميلة منها، فيها نقص كبير، وهو عدم طرحها للقضية الإسلامـية وذلك أوجب أضراراً باهضة أولها، عدم اشتراك (850) مليون مسلم غير عربي في المعركة بينما إسرائيل طرحت القضية الدينية، فجمعت كل اليهود تحت لواء الصهيونية وثانيها إن القومية وما أشبهها التي طرحتها المنظمات الصادقة في وطنيتها، لم تكن ذات يوم محفزة للأمم على النهوض، وحتى أن أمريكا لم تنهض إلا تحت مظلة المسيحية، والروس لم تنهض إلا تحت مظلة الأيدلوجية الشيوعية. بل القومية ونحوها جاء بها المستعمر، ليفرق المسلمين وليثبط الهمم، وقد كان كما أراد وثالثها إنــهم أدخلوا أنف الشيوعية في الميدان، فزادوا (ضغثاً على أبالة) حيث (1) إن الشيوعيين هم الذين أيدوا إسرائيل من أول يوم احتلالها وإلى هذا اليوم، فكانوا صديق العدو، وفي المثل (صديق عدوك، عدوك) (2) إن الجماهير خافوا من الشيوعيين، لأنهم يعلمون أن الشيوعية استعمار لا تنقص عن استعمار بريطانيا وأمريكا، ولذا كفّ الجماهير أيديهم عن مناصرة تلك المنظمات، والمنظمة أية منظمة، لا تعيش إذا انفضت من حولها الجماهير.
إنه ما دام الاستعمار في البلاد وأذياله، الذين هم الشيوعيون والقوميون والديمقراطيون، تبقى فلسطين تحت الاحتلال، والرجوع إلى الوحدة الإسلامية الكبرى هو طريق العلاج، ولا بأس أن ننقل بهذه المناسبة القصة المشهورة وهي أن جماعة من بلاد سوريا الكبرى ـ وهي كانت جزءً من الإمبراطورية العثمانية ثم زحفت إلى سوريا والأردن ولبنان و.. ـ ذهبوا إلى عصبة الأمم يطالبون بإرجاع بلادهم إلى بلد واحد، حسب وعد العصبة بإعطاء الأمم حق تقرير مصيرها وبعد مدة ولم يلح في الأفق بارقة الأمل، وإذا برئيس العصبة يطلب أحدهم، واسمه بطرس، قائلاً له: عزيزي بطرس وأنت لماذا؟ قال بطرس: أليس لنا حق تقرير المصير؟ قال له الرئيس: إن هؤلاء الوفد لا يفهمون لأنهم مسلمون، أما أنت فمسيحي مثقف، وقد تعلم أن آباءنا حاربوا المسلمين منذ ألف سنة (حروب الصليبية) حتى تمكّنا من القضاء على كيانهم ووحدتهم واستقلالهم فهل نعيد إليهم وحدتهم؟
وقد ألمع إلى هذا القائد البريطاني (لبني) حيث قال بعد فتح سوريا: (الآن انتهت حروب الصليب) كما ألمع إليه (لورانس) حيث أخذ فيصل الحسين، إلى (لبني) في فنادق الشام، فلما أن صافح فيصل لبني قال لورانس: لقد قدت الهلال إلى الصليب بعد حرب دامت ألف سنة.
أما صلح السادات فليس إلا خيالاً، ولن يتمكن السادات من الصلح إلاّ إذا تمكن من انتزاع القرآن من صدور المسلمين.. ولا يمر زمان إلاّ ويفهم السادات أنه كان في سبات عميق، كما لم يمر زمان إلا وفهم العرب أنهم كانوا بتأييدهم لناصر في نوم عميق.. كما أن حرب السادات لم تكن إلاّ من تخطيط كسنجر، لأجل دفع عجلة صلحه إلى الأمام.
ولا شك أنه يأتي يوم إحضار (هرتزل) وأولاده الذين اجتمعوا في بال، إنهم ارتكبوا أكبر غلطة تاريخية، حيث انتخبوا فلسطين دولة لليهود إن من المستحيل أن يترك المسلمون القرآن كما أن من المستحيل، أن تبقى إسرائيل في بحر من المسلمين الملتزمين بالقرآن ويوم ذاك (ولا يبعد أن يكون قريباً جداً بإذن الله تعالى) يظهر صدق ما نذكره من أن زعماء اليهود أخطأوا خطأً كبيراً بانتخابهم هذا المكان دولة لإسرائيل.. كما أخطأ قبلهم الصليبيون حيث زعموا بأنهم يتمكنون من انتزاع هذه البلاد من أيدي المسلمين.