كانت مصر في حوزة الخلافة العباسية، وبسبب ظلم العباسيين وسوء إدارتهم تمكّن الفاطميون من تشكيل حكومة فاطمية فيها، وكانوا محبين للعلم والعلماء فأسّسوا هناك المدارس، والجوامع، والتي منها جامع الأزهر الذي لم يزل مشعّاً للعلم إلى هذا اليوم، ثم أخذها منهم الأمويون، وقد تبدلت عليها الحكومات إلى أن صارت في حوزة العثمانيين، تم استلمها منهم (محمد علي باشا) وعد من جانب الخليفة، باغياً متمرداً، لكن سرعان ما تصالح الطرفان قبل قرن ونصف تقريباً بشرط أن يرسل إلى الخليفة مبلغاً من المال في كل سنة، وأخذ (محمد علي باشا) في بعض الاصطلاحات السطحية ولما مات وجاء ولده عباس إلى الحكم، كانت النفوس مهيأة للانقضاض حيث إن الاصطلاحات السطحية التي قام بها والده لم تكن ذات فائدة بالنسبة إلى شعب مكبوب فقير، ولذا تدخلت في مصر (فرنسا وبريطانيا) مما انجر إلى احتلال مصر والذي دام إلى انقلاب (محمد نجيب).
وقد خطط لهذا الانقلاب (الدكتور دلس) وزير خارجية أمريكا وكان القصد من ذلك:
(1) توسعة إسرائيل.
(2) إيجاد القلاقل في البلاد الإسلامية، حتى لا يتمكن المسلمون من النهوض.
(3) فضح الشيوعية.
(4) تحكيم القبضة الاستعمارية على البلاد أكثر فأكثر.. ولما لم يتمكن نجيب من القيام بتنفيذ متطلبات أمريكا، عزلوه وجاءوا مكانه بـ(عبد الناصر) حيث طبق الأوامر حرفياً:
(1) فقد أعطى لإسرائيل ـ في حرب صورية ـ سيناء، والجولان، والضفة، مما وسع إسرائيل ثلاثة أضعاف.
(2) وضرب كل الحركات الإسلامية أشد ضربة في كل البلاد العربية، تحت ستار من التقدمية والقومية العربية، حتى أني أذكر أنه سجن في حادثة (المنشية) المختلقة ما يقارب مائتي ألف مسلم، كما قتل كثيراً من أقطابهم، والمذكرات التي كتبت حول سجون عبد الناصر، والتي كتبت حول سجون إسرائيل، تظهر بوضوح ـ عند المقارنة ـ أن سجون ناصر كانت أسوأ بكثير من حيث التعذيب وإهانة الإنسان من سجون إسرائيل، مع فارق أن إسرائيل تسجن أعداءها من المسلمين، وناصر كان يسجن المسلمين المصريين.
(3) وقد فضح ناصر الشيوعية حيث استوردها إلى البلاد، وعرف الناس حقيقتهما، مما سبب أن تميل البلاد إلى أمريكا تخلصاً من الشيوعية، وكان استيراد ناصر للشيوعية من قبيل ما يسمى في علم (الدعاية) بـ(الدعابة السوداء) فلم يكن بغضاً للشيوعية، وإنما حباً لأمريكا وعمالةً لها.
(4) وبذلك تحكمت القبضة الاستعمارية الغربية على البلاد، حتى آل الأمر إلى سقوط مصر في أحضان أمريكا والصهيونية، بسبب خلفه (السادات) فإن البلاد إذا ضعف فيها الإيمان، وكثر فيها الفقر، وتحطم فيها الرأي، لا بد وأن تلتجئ إلى المستعمر، وحيث افتضح المستعمر الشرقي، كان الملجأ الطبيعي المستعمر الغربي.
ولا أدلّ من عمالة ناصر لأمريكا من أن أصدقاءه (كهيكل) وغيره كانوا أمريكيين، كما أن خلفه (السادات) ظهر أمريكياً كما أن أمريكا هي التي دافعت عن ناصر ـ إبان العدوان الثلاثي ـ من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل وأنه كان السبب الرئيسي لانتقال السعودية من بريطانيا إلى أمريكا كما أنه سبب حرب اليمن الذي انشطر إلى يمن أمريكي هي صنعاء ويمن بريطاني هي عدن، أما الشيوعية في (عدن) فهي مهزلة سطحية لتعزير البسطاء، ولإرهاب الخليج النفطي ليدرّ الغرب منها أكثر فأكثر.. و (عامر) إنما وقع ضحية جهله بواقع ناصر الذي صمم على مناصرة أمريكا حتى وإن كان بقتل أعز أصدقائه، كما أن (فيصل) وقع ضحية جهله بواقع أمريكا، فظن أنهم يوفون لأصدقائهم، لكن لما حانت ساعة الصفر وأرادت أمريكا مزيداً من النفط، وكان فيصل يأبى ذلك قتلوه ليأتوا مكانه بـ (فهد) حيث يعطيهم ما يشاءون.. وحياد ناصر، الذي أعلنه في (باندرنك) لم يكن إلاّ كحياد (السادات) وحياد (كاسترو) وغيرهما من عملاء الشرق والغرب الذين يدخلون مجلس الحياد بقلوب غير حيادية.
إن ميزان الحياد، وميزان الاستقلال، هو وجود (الحريات)، (البرلمان والصحف الحرة) وتبدل الرئيس كل أربع سنوات مرة على عدم وجود القواعد العسكرية في البلاد، إلى جانب وجود الرشد الصناعي والزراعي والاجتماعي، وإلا فالانتخابات المزيفة وبقاء الرئيس رئيساً مدى العمر، والحكومة البوليسية والفقر المدقع ووجود القواعد العسكرية و.. كلها دليل العمالة، ومن المؤسف أن البلاد الإسلامية كلها ابتليت بأمثال هؤلاء العملاء.
ومن المضحك أن أحدهم يطرح نفسه في معرض الانتخابات الصورية، فيحوز على 99% من الأصوات. ثم يبقى لاصقاً بالحكم كالسرطان الذي ينشب في الجسم ولا يتركه، حتى يودي بصاحبه.